لماذا أصبحتُ معالِجة بالقراءة؟ بقلم: إيللا برثود

أثناء إجرائي للمكالمات المرئية اليومية عبر “سكايب” مع المتعاملين، أو أثناء التحدث معهم في غرفة الاستشارة النفسية في “مدرسة الحياة” بحي بلومزبيري في العاصمة البريطانية لندن، أفكر وأخاطب نفسي حول روعة العمل الذي أقوم به، كمعالِجة بالقراءة، يسعدني أن أتحدث عن الكتب طوال اليوم، وحتى عندما لا أتحدث عنها، يسعدني أن أقرأها، أو أن أستمع إليها، ولكن كيف انتهى بي المطاف بهذا العمل النبيل؟

بدأت قصتي عندما التقيت بزميلتي سوزان إلدركين – وهي حالياً كاتبة ومعالجة بالقراءة – حيث كانت غرفنا متجاورة في السكن الجامعي لكلية “داونينج”، بجامعة “كامبريدج” البريطانية، وعلى الفور بدأنا نتبادل الكتب لنتمكن من فهم بعضنا، ورؤية وجهات نظرنا المختلفة حول تعقيدات الحياة، والحب، وفقدان الثقة الأكاديمية، والمخاوف المهنية، وتقلب العلاقات الاجتماعية بين مد وجزر، وأدركنا سريعاً أن الكتب التي كنا نتبادلها، كنوع من العلاج، لم تكن بلسماً لشفاء احتياجاتنا العاطفية والنفسية فحسب، بل أيضاً كان باستطاعتنا استخدامها لشفاء أصدقائنا، وزملائنا، وعائلاتنا، ولهذا بدأنا بأخذ فكرة العلاج بالقراءة على محمل الجد، كخيار مهني، وليس مجرد هواية نمارسها فيما بيننا كأصدقاء

والعلاج بالقراءة، كما نراه، هو أحد الفنون العلاجية، وتحديداً فن وصف الكتاب الصحيح إلى الشخص المناسب في الوقت المناسب أو المرحلة المناسبة من حياته. واستناداً إلى خبرتنا الطويلة، ومعرفتنا الأدبية العميقة حول الماضي، والحاضر، والمستقبل، نقوم بإعداد قائمة من الكتب لكل متعامل على حدة، لنصل إلى الرابط بين القراءة المثالية التي تتناسب مع حالة الشخص الذي يحتاجها، فمهما كانت الحالة التي يعاني منها الشخص، سواءً عاطفية، أو ظرفية، أو جسدية، في مرحلة معينة من حياته، يوجد دائماً كتاب مثالي مناسب لعلاج تلك الحالة في تلك المرحلة من حياته، ويمكن للكتاب أن يكون خيالياً أو واقعياً، أدبياً أو غير أدبي، فنحن نؤمن بأهمية القصص على اختلاف أنواعها، مع الأخذ بعين الاعتبار الطريقة التي استخدمت في كتابة هذه القصص، لأن الأسلوب يلعب دوراً بارزاً ومؤثراً مع بعض المتعاملين دون غيرهم كلٌّ حسب حالته

وفي تلك الأثناء، احترفتُ الرسم، وأصبحت زميلتي سوزان روائية ناجحة، واستمر هوسنا بالقراءة، حتى أني بدأت بالاستماع إلى الكتب الصوتية أثناء الرسم، كأحد وسائل إشباع نهمي بالقراءة، ومواكبة جديد الأدب المعاصر. وبعد ذلك التقينا بالسيد ألان دو بوتون، الذي بدأ وقتها بتأسيس “مدرسة الحياة”، وأشرنا إليه بأن ما ينقص مدرسته الجديدة هو خدمة العلاج بالقراءة، واقترحنا عليه إطلاق تلك الخدمة، وعملنا معاً على تحديد أفضل الطرق وأنجحها لإدارة تلك الخدمة، فقمنا بإعداد استبيان لمتعاملينا، وقمنا بإجراء التجارب لاكتشاف الطريقة المثلى لإدارة جلسات العلاج بالقراءة، وتحديد نوع القرّاء الذي ينتمي إليه المتعاملون بدقة، ودراسة الحالة التي يمرون بها في ذلك الوقت من حياتهم بشكل مفصّل، وهو ما جعلنا نعثر على الوصفة القرائية المثالية التي تناسبهم

 وبدأ مشوارنا المهني عام 2008، وإلى الآن نجحنا في علاج ما يقارب الـ 3000 متعامل، وقمنا بتوسيع نطاق خدمة العلاج بالقراءة إلى جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى تنظيم ورش عمل العلاج بالقراءة للعديد من القرّاء والكتّاب المهتمين، ووجدنا أن عملنا قد حقق نجاحاً متميزاً، وقمنا بتوثيق تجربتنا واكتشافاتنا حول الأدب والعلاج بالقراءة في كتاب، حمل عنوان الرواية الشافية: ألف – ياء العلاجات الأدبية

ولم تقتصر محبتنا على الكتب المخصصة للبالغين، بل شملت أيضاً الكتب المخصصة للأطفال واليافعين بنفس القدر، وعملنا معهم كثيراً على مر السنين، إذ نظمنا لهم مجموعة كبيرة من جلسات العلاج بالقراءة ، وحرصنا على حضور أولياء الأمور لتلك الجلسات وتعليمهم الطرق الصحيحة للعثور على الكتب المناسبة لأطفالهم في الوقت المناسب من حياة هؤلاء الأطفال، سواء خلال مرورهم بتجربة معينة، أو مواجهتهم لمشكلة ما، أو مجرد حاجتهم إلى نصائح واقتراحات حول كتب جيدة وممتعة

 وواظبتُ مع زميلتي سوزان على قراءة كتب الأطفال عاماً بعد عام، ولعب أطفالنا دوراً بارزاً في مساعدتنا على الانسجام مع جديد أدب الطفل المعاصر، وهذا ما دفعنا إلى تأليف كتاب ثانٍ حول الطريقة التي يمكن من خلالها للكتاب أن يساعد كل الحالات، تحت عنوان القصة الشافية: كيفية المحافظة على سعادة الأطفال وصحتهم وحكمتهم

وكلما ازداد تعاملنا مع الأطفال والبالغين، ازداد تعلمنا لطرق مساعدتهم، ووصف القصص المناسبة لهم، فكل متعامل نلتقي به، يضعنا أمام تحديات جديدة، وتوصيات جديدة، ووصفات كتب جديدة، ولهذا السبب استطعنا إثراء عملنا باستمرار بشكل ذاتي، ويسعدني أن أعمل مع المجلس الإماراتي لكتب اليافعين، لأن من شأن هذه الشراكة أن تمنحني فهماً جديداً لاحتياجات الأطفال على الصعيد العالمي

 

إيللا برثود، كاتبة مشاركة مع سوزان إيلدركين في تأليف كتاب الرواية الشافية: ألف – ياء العلاجات الأدبية، وكتاب القصة الشافية: كيفية المحافظة على سعادة الأطفال وصحتهم وحكمتهم

Leave a comment